مقتطفات من تجارب الطلبة المشاركين برحلة الاندلس الثقافية الثانية
يــا زمان الوصل بالأَندلسِ، لم يكن وصْلُك إِلاّ حُلُمًـا في الكرى أَو خُلسـة المخـتَلِس.
’نحن لم نسكن تلك المدن ولكن تلك المدن هي التي سكنتنا’
نظم برنامج زاجل للتبادل الشبابي الدولي التابع لدائرة العلاقات العامة بجامعة النجاح الوطنية حفلاً لتخريج الطلبة المتوقع تخرجهم والمتخرجين حديثاً وقديماً وذلك على أرض قصر الحمراء في مدينة غرناطة الاندلسية. اشتملت الرحلة على جولة في خمس مدن اسبانية، برشلونة، غرناطة، قرطبة، اشبيلية ومدريد، ففي برشلونة زار المشاركون البلدة القديمة وتعرفوا على مقومات الاستثمار السياحي القائم على التعددية العرقية والانفتاح على الثقافات الأخرى.
ومما كتبه المشاركون عن انطباعاتهم عن زيارة الاندلس الثقافية الثانية:
ولاء عبد العزيز
“كانت حفلة التخرج التي قمنا بتنظيمها في قصر الحمراء رائعة جداً”
مما لا شك فيه أن رحلة كهذه قاعدتها الأولى كانت الإعتماد على النفس، لذلك كان من الضروري تعلم برمجيات الاتجاهات الجغرافية لتسهيل وصولنا للأماكن المشهورة أو حتى مكان إقامتنا في مختلف المدن. وبذلك كنا قد اكتسبنا مهارة جديدة وحققنا هدفاً من أهداف الرحلة ألا وهو الاعتماد على أنفسنا وليس فقط المشي على غير هدى أو اللحاق بمن يعرفون الطريق. كل ذلك بفضل تعلمنا لمثل هذه التقنية.
من أكثر الأمور التي لفتت انتباهي النظام ونظافة الشوارع. نرى الأفراد سواء كانوا من الدولة نفسها أم من السياح يتقيدون بالقوانين بحذافيرها في جميع نواحي الحياة. كالاصطفاف على الدور أو عدم مخالفة الأنظمة المرورية أو حتى الالتزام بالأمانة دون الحاجة للمراقبة. وعند مقارنة ذلك بدولنا العربية نرى أن السبب في انتشار الفوضى هو نقصان الوعي بثقافة احترام النظام. وهي قناعة يجب أن تكون لدى كل فرد من أفراد المجتمع فهي السبب الرئيس في جذب السياحة وتقديم صورة حضارية عن البلد.
كانت حفلة التخرج التي قمنا بتنظيمها في قصر الحمراء رائعة جداً وسيطر علينا شعور جميل بأن يكون تخرجنا في قصر الحمراء الذي يعتبر من أجمل القصور الأثرية التي بنيت في العهد الإسلامي والذي يتميز بالزخارف الإسلامية الواضحة في أبنية القصر وجنة العريف التي تجعلك تفكر في نفسك إن كانت هذه جنة الدنيا فكيف بجنة الآخرة.
عند رؤية التراث العربي الإسلامي في فن العمارة الذي تمثل بالمساجد والقلاع والقصور والزخارف والنقوش الاسلامية. شعرت بالفخر لأنني أنتمي لهذا التراث الذي يعتبر علامة مضيئة لهذا الإبداع الذي أسهمت به الحضارة العربية الإسلامية.
كانت زيارتي لمتحف محاكم التفتيش من اللحظات القاسية التي مررت بها. فقد شعرت بالحزن على تلك الذكريات التي مر بها المسلمون في ذلك العصر وحجم الألم الذي تحملوه. كان ذنبهم فقط أنهم ينتمون للدين الاسلامي.
سيطرت علينا جمالية المكان عند التجول في شوارع مدينة برشلونة وخاصة أعمال الفنان غاودي وأعماله الخارقة التي تعتبر أكثر الأعمال المميزة في تاريخ الهندسة المعمارية الاسبانية. من أكثر الأعمال التي نالت إعجابي كاثيدرائية العائلة المقدسة بالرغم من أن غاودي لم ينجز العمل في حياته إلا أن هذه التحفة الفنية وضعتنا في حالة من الدهشة والذهول.
كنا نتنقل بالحافلة السياحية التي تتجول في جميع انحاء المدينة في جميع المدن التي تمت زيارتها مروراً بجميع معالمها الشهيرة. كان اسلوباً ممتعاً للغاية وفي نفس الوقت كان وسيلة سريعة للوصول لجميع الأماكن التي نرغب بزيارتها.
من منا لا يعرف مدى شهرة فريقي كرة القدم الإسباني برشلونة ورويال مدريد؟ كان من الضروري زيارة ملعب كل فريق منهما. بدأ كل فرد من أفراد الرحلة بالتحمس لفريقه ومقارنة جمال وعظمة تلك الملاعب خالقاً بذلك جواً من الفكاهة اثناء الرحلة.
بدأت علامات التعب تظهر علينا في مدينة قرطبة ولكن مع وصولنا لنهر الوادي الكبير، حلت علينا الراحة والطمأنينة وتدفقت فينا الطاقة الإيجابية مع أولى لحظات سماع صوت تدفق المياه في ذلك النهر الجميل. كان الجلوس على مقربة من النهر من أجمل ايام العمر. في وسط النهار ومع تعب المشي وحرارة الطقس، كل ما كنا نبحث عنه هو الطعام. ولا شك أن الطعام الأندلسي كانت له نكهة مميزة. في معظم المطاعم كنا نرى تنوعاً من الأكل المغربي والتركي والشامي كالكسكس المغربي والطاجن والشاورما. ومن أكثر الأطباق المميزة. كانت وجبة (البقية) الأندلسية الشهيرة التي لا تكاد قائمة طعام تخلو منها الاكثر اهتماماً لدى الجميع.
كان شارع الرملة في مدينة برشلونة من أكثر الشوارع التي أحببت أن أقضي وقتي في المشي فيها فهو من أحد أغرب الشوارع في العالم. تجد المهرجين في أجمل ملابسهم واستعراضاتهم راسمين البهجة على وجوه كل من يمشي في ذلك الشارع. ونجد في هذا الشارع أيضاً حسبة برشلونة أو ما يعرف أيضاً بسوق بوكيريا، هذا السوق هو عبارة عن مجموعة من الروائح الزكية والألوان الزاهية، فنرى فيه من كل ما لذ وطاب من أنواع الفواكه والخضراوات والتوابل والأسماك التي تأسر القلوب بألوانها الزاهية ورائحتها التي تجذبك عن بعد. ولن ننسى سمك الأندلس الذي كان من اشهى ما تناولنا خلال الرحلة ولن ننسى صف الانتظار الذي وقفناه حتى حصلنا على دور لتناول تلك الأسماك.
ماسة طوقان
“شعرت بالروح العربية في كل مكان زرته”
كانت تجربة من أجمل وأهم التجارب بالحياة والتي علمتني الكثير، علمتني انك لن تشعر بالشيء إلا بعد تجربة النقيض فلن تشعر بالراحة إلا بعد التعب وهذا ما كنت اعرفه ولكن لم اشعر به إلا بعد أن جربته.
التخرج في قصر الحمراء كان بمثابة الحلم الذي لن يتحقق وتحقق مع أناس لم اكن اعرفهم والآن هم بمثابة العائلة الصغيرة لي. جنة العريف هي جنة حقيقية وربما هي قطعة صغيرة من الجنة. عندما تزور مسجد الكاتدرائية بقرطبة تنتابك مشاعر مختلطة اولها رهبة المكان وعظمته والفرح لأنك في ذلك المكان. والغضب لأننا خسرناه. الحافلة السياحية من أكثر الامور متعة ترى منها ما تراه وتسمع تاريخه وأنت جالس في مكانك. شعرت بالروح العربية في كل مكان زرته. في تلك البلاد للوقت احترامه وللنظام احترامه. رأيت تعاليم الاسلام في الامور الحياتية تطبق من غير المسلمين. النظافة واحترام الكبير والرحمة. استذكرت قول تميم البرغوثي عندما تكلم عن القدس التي عانى للوصول اليها ولم يصل لأقول انا “في الاندلس من في الاندلس إلا انت”
رناد داود
“لم أكن اتخيل ان تكون كل هذه الآثار الاسلامية موجودة حتى الآن”
كانت حفله تخرجنا بقصر الحمراء من اجمل ما حدث بالرحلة فقد كان وكأنه حلم جميل ومضى بسرعة. حتى الان لم اصدق اننا تخرجنا هناك بذلك القصر العظيم والذي يعبر عن مدى قوه الاسلام بذلك العصر فالآثار الاسلامية بحتة وواضحة. اما عن زيارتنا للمواقع الاسلامية التاريخية بالأندلس فقد اعطتني الامل بالمسلمين. هذه المواقع هي من أجمل ما رأت عيني ومن يزور الاندلس يعرف ما اهميتها وما أهمية آثارها على الاسلام. حقا انها جنه من جنان الرحمن.
شعرت بالفخر عندما رأيت التراث العربي في الاندلس وشعرت بالفخر الاكبر لأنني انتمي لهذا الدين الذي ابدع كل هذا الابداع بالعمارة والنقش والزخرفة. اما زيارة متحف محاكم التفتيش فكانت بمثابة كابوس مزعج الى درجه كبيرة لم استطع احتمال مدى قسوة وكره الاسبان القدامى للمسلمين ولدينهم. كانت اساليب التعذيب التي اختاروها لتعذيب المسلمين من أجل تغيير دينهم فظيعة.
مسجد الكاتدرائية. لم أكن اتخيل ان تكون كل هذه الآثار الاسلامية موجودة حتى الآن. كانت مفاجأة لي أن أرى الزخارف الاسلامية والنقوش القرآنية على الجدران حتى هذا الزمن. لكنهم عملوا على اضافة ما هو من دينهم لجعله كنيسة المسجد. عندما تدخل اليه تشعر بأنك في مسجد وليس غير ذلك. لكن الحقيقة أنه كاتدرائية كبيرة أصبحت مكان هذا المسجد الجميل. المهندس غاودي. لم افهم اسلوب تفكير شخص كهذا. ما الذي جعله يفعل كل هذا بمدينة كاملة وكأنه أعاد بناءها من جديد. وكأنه رسمها بالقلم. كان له فضل كبير على تاريخ الهندسة المدنية والمعمارية في برشلونة.
قصر المعتمد بن عباد هو من أجمل ما رأت عيني من حيث الموقع ومن حيث البناء ومن حيث الزخرفة إلا انهم اضافوا عليه الكثير من تراثهم. كانت الحافلة السياحية اسلوباً جميلاً يرينا المدينة كاملة بجمالها الخارجي وكان وسيلة سريعة للوصول الى الاماكن التي نريد ان نصل اليها. شارع الرمله في مدينة برشلونة: لا ادري كيف اصفه فهو مدينة أخرى لوحده. شارع لا يخل أبداً من الناس والحياة.
سجى حجازي
“كان اليوم الذي حصلت فيه على تأشيرة الدخول الى الاندلس بمثابة العيد الذي حضر مبكراً”
سافر وغامر وعش فأنك تستحق الحياة. حين تقرأ عن خبر إعلان رحلة إلى الأندلس (اسبانيا) على صفحة زاجل للتبادل الشبابي الدولي. تتسابق مشاعر التحمس والاندفاع وحب المعرفة الى أن تدفعك للمشاركة وتسيطر عليك بعض مشاعر الخوف من فكرة السفر دون أهلك. لكن ومع البدء بإجراء المعاملات والاختبارات اللازمة للقبول بمشروعٍ عظيمٍ كهذا تشعر بأنك تسير خطوة خطوة نحوالحلم الذي طالما قرأت عنه بالكتب وشاهدته بالبرامج الوثائقية ومواقع التواصل الاجتماعي وتقول بداخلك ها أنا على مشارف تحقيقه.
كان اليوم الذي حصلت فيه على تأشيرة الدخول الى الاندلس بمثابة العيد الذي حضر مبكراً. وتسارعت الايام لتصل الى يوم السفر. أجل هو اليوم المنتظر تودع به أحبتك وتسرع باتجاه المطار لتبدأ المغامرة. تقلع الطائرة وتحمل معها كل احلامك وآمالك بالإضافة الى بعض أمتعتك التي تم اختيارها لتزور الاندلس وعند هبوط الطائرة تبدأ نبضات القلب بالتسارع لتعلن عن البدء بتحقيق المخططات الواحد تلو الاخر.
أولى خطواتنا كانت مدينة برشلونة. مدينة الأضواء والمباني الملونة، مدينة الاكتظاظ والشوارع المزدحمة، المدينة الساحرة التي يختلطُ بحرُها بسمائها، قضينا فيها أجمل الأيام وأصعبها، فقد كانت بداية تعامُلِك وإختلاطك بأشخاص لم تعرفهم من قبل، لكنّها كانت كافيةً ليعُم التفاهمُ والتعاون والعطاء بيننا. انطلقنا الى متحف التاريخ الكتالوني الذي يحكي قصة حياة الانسان الفلاح بالقدم بمزارعة ومواشيه وقصوره وكنائسه وحكامه وفرسانه. كل هذه التفاصيل تحكيها جدران هذا المتحف. ولا ننسى الجولة الممتعة في الحافلة السياحية التي كانت تنقلنا من متحف الى آخر ومن معلمٍ لآخر فقد أوصلتنا هذه الحافلة الى المتحف الوطني للتاريخ الكتالوني والذي يحمل من الصور والمجسمات الجميلة ذات الابداع المتميز وفي ساحاته شلال ماء منهمر ليرسم أجمل اللوحات التي قد تراها في حياتك .
أما القطارات هناك فكان لها مذاقٌ آخر فقد أوصلتنا الى ملعب فريق برشلونة الاسطوري الذي تجولنا به ودسنا أرض ملعبه وجلسنا على مقاعده وهتفنا باسمه عاليا. وكان اليوم الختامي بمدينة برشلونة لجولة بالحي القوطي والتجوال في شوارعه وسماع المعزوفات الجميلة هناك ثم تناول وجبة بحرية فخمة ذات مذاق لا ينسى.
حزمنا امتعتنا وانطلقنا الى غرناطة ذات الطابع الجمالي الفريد تسيطر عليه الخضرة من كل مكان. تنحني الزهور على قارعة الطريق لترحب بك وتنساب جداول المياه بين تلك الطرقات لترشدك الى طريق قمة الجبل هناك ويا لها من قمة. يتربع قصر الحمراء عليها تحتضنه جنات العريف احتضان الطفل لامه وتسمع زقزقة الطيور تناديك من كل مكان ويحلق بك الخيال بلا سقف وتسأل نفسك كم من الوقت كان يلزم الامير ليأخذ جولة واحدة في هذا المكان. أراهن أن البستاني يبدأ بالعناية بأول زهرة ليعود ويتفقدها السنةَ المقبلة. ولان الفرصة لا تتاح لنا بالقدوم كل يوم الى هذا القصر أقمنا لنا ذكرى ستبقى في أذهاننا ما حيينا وهي تخرجنا على أعتاب قصر الحمراء وثراه ويا لهذه الذكرى الجميلة.
ننتقل من الأعالي الى أزقة الاحياء وأجملها حيُ البياثين الذي تضيع بين أزقته وتستنشق عبق الورود من بيوته وتصور أجمل اللوحات التي نقشت على جدرانه. تتأمل المنازل هناك لتضيع في بحر خيالك الذي رسمته لك الروايات. يا لهذا الجمال فما بالكم بجمال ساكني هذا الحي حيث تَجد الكثير من ساكنيه من المغرب لكن اصلهم من الاندلس حيث اضطروا لمغادرتها قسراً. هم يحفظون تاريخ أجدادهم ويحلمون بإعادة تاريخ الامجاد.
غادرنا غرناطةَ متجهين إلى الجنة والنعيم، الى المبتدى والمنتهى، إلى قرطبة؛ وفيها حملتنا الأيامُ الى الوجع الكامن والمأساةِ الطامة. إلى آثارٍ تصرخ: أعيدوا لي أمجاديَّ العربية. فيها المساجدُ قد حُولت إلى كنائس وإمتلأت معالمها بالرسومات المسيحية، واستُبدل هلالُ المئذنة بجرسِ الكنيسة، ترى فيها ما وقع للمسلمين من ذلٌ وتعذيبٍ حتى اجبروا على ترك بلادهم قصراً.
حملتنا الايام في قرطبة الي الوجع الكامن الى المأساة الطامة إلى آثارٍ تصرخ: أنا عربية أنا إسلامية. وأفجعُ تلك المعالم المسجد الذى يسمى الآن بكنيسة المسجد أو كاثيدرائية المسجد. حين تتجول في أروقته وتنظر الى معالمه الاسلامية التي حولت الى مسيحية وإلى مئذنته التي تحولت الى أجراس. تشعر بالانكسار في كل قطعة من جسدك تتمنى لو انك قادرٌ على قول كلمة او حتى أداء سجدة في رحابة حتى يشعر هذا المسجد انه ليس وحيداً. ثم انتقلنا الى مكانٍ يسحر العقول ألا وهو نهر الوادي الكبير. للجلوس هناك عذوبة لا توصف أما السمر مع الاصدقاء هناك فهو نعيم لا يحصى.
ثم إتجهنا إلى إشبيلية وزرنا ما بها من معالم وأهمها الخيرالدا وقصر المعتمد بن عباد وميناء النهر الكبير. كانت مدينة مدريد ختام آخر ساعاتٍ لهذه الرحلة التي لا أُنكر فيها أن السفر دون أهلٍ أو أصدقاء أمرٌ صعب لكن عند تذكُر أصعب ما عشتهُ هناك، ترتسمُ على وجهي إبتسامة لتُثبت أن الصعبَ هو ذكرى جميلة اليوم، وما كان جميلاً لا يُمكن أن يُنسى يوماً؛ كالبحر، والاسواق والمطاعم وملعب فريق برشلونة والاشخاص الذين تعرفنا عليهم بالأخص المغاربة منهم، كُلها لحظاتٌ لا تٌنسى.
كانت مدينة اشبيلية أقل المدن حظاً في مكوثنا فيها فلم نقض بها سوى 12 ساعة تقريبا لكننا زرنا خلالها أعظم الاماكن، فهناك مكان يقال عنه برج الفطر وهو مجسمٌ عظيم على شكل الفطر يتم الصعود على سطحه ليصبح بإمكانك مشاهدة اشبيلية كلها. بنهرها وجسورها ومعالمها الاخرى وهناك الخيرالدة التي كانت من أعظم وأضخم المآذن في العصر الموحدي ولكي تصعد إليها عليك ان تصعد مائة متر الى الاعلى لتصل الى قمة تلك المئذنة. ثم انطلقنا الى قصر المعتمد بن عباد، وهو احد ملوك الطوائف الذي كان يملك أعظم القصور في ذلك الزمان وفعلا هو جنةٌ يضيع العقل ببديع وإتقان تصميمها.
أحمد دويكات
“دوام الحال من المحال”
كان أجمل ما تعلمنا في هذه الرحلة هو أن القناعة كنز لا يفنى فعلى الرغم من تغير الثقافة والمكان واختلاف المسكن والطعام إلا أننا كنا سعيدين جداً بكل ما مررنا به. ومن أكثر المناظر التي تصفي الذهن وتريح النفس كان منظر نهر الوادي الكبير الذي وقفت أتأمله لساعات. كما تأثرت جداً لضياع كل هذا الجمال والطبيعة الخلابة والمباني المميزة من المسلمين فعلى الرغم من بقاء الخلافة الإسلامية لثمانية قرون في الأندلس والتي تعد واحدة من أطول الخلافات في التاريخ إلا ان دوام الحال من المحال .
لقد تعلمت في هذه الرحلة الشيء الكثير. فمن جهة تعلمت تاريخ الأندلس منذ ان فتحها طارق بن زياد حتى أخذ المسيحيون آخر معقل للمسلمين في عام ١٤٩٢ وهي غرناطة. ومن جهة أخرى تعلمت كيف أتصرف في المطارات ومحطات القطارات وكيف اعتمد على نفسي في استخدام برنامج تحديد المواقع. ومما تعلمته من هذه الرحلة الكثير من النصائح التي أصبحت نصائح قائمة على التجربة. حاول دائما أن تكون أفضل نسخة من نفسك. تحدى نفسك كل يوم وأهم شيء هو أن لا تقارن نفسك بالآخرين بل اسع دوما لان يكون يومك أحسن من سابقه. آمن بنفسك وبقدراتك ولتكن ثقتك بنفسك عالية. احرص على ان لا تكون أهدافك دائما مادية فإن ما ينفع الناس هو الذي يبقى في الأرض والمادة تفنى وتذهب مع الزمن.
طاهر دويكات
“لم تكن هذه الرحلة رحلة للاستجمام فقط بل كانت رحلة لاكتشاف الذات”
تعلمت الكثير من الامور التي أدت إلى صقل شخصيتي وتقوية ثقتي بنفسي. حيث لعب واجبي في المجموعة دوراً كبيراً في تنمية مهارات الاعتماد على النفس فقد كنت ضمن لجنة المواصلات وكان يقع على عاتقي إيصال المجموعة إلى الأماكن التي تجب زيارتها وهذا ما تطلب مني في بداية الأمر مجهوداً كبيراً كونها المرة الاولى التي أسافر فيها إلى بلد أجنبي. حيث كان علي فهم نظام المواصلات التي تعمل وفقاً له هذه البلد ومعرفة استخدام نظام تحديد المواقع على الهاتف الذكي والقدرة على تحديد الاماكن التي نريد التوجه إليها على الخارطة وذلك من أجل ضمان إيصال المجموعة إلى المكان الصحيح. أذكر أول مرة أوصلت فيها المجموعة إلى معرض الاسماك بمساعدة زملائي في لجنة المواصلات ومن ثم إلى متحف برشلونة. في تلك اللحظة شعرت بالفخر بنفسي وبأن لدي قدرات كامنة علي أن اخرجها وهذا ما عزز لدي القدرة على تحمل المسؤولية والعمل بروح الفريق فقد كانت فكرة العمل في مجموعة لتنظيم المواصلات مميزة حيث نمت روح التعاون وأدت إلى تقليل نسبة الضياع بشكل كبير.
بالإضافة إلى ذلك تعلمت عن نظام السفر في المطارات. فهو نظام يعتمد في المقام الأول على الالتزام بالوقت حيث أن الالتزام بالوقت هو قيمة يجب أن تنعكس على كل مجالات الحياة. فقد كانت هذه هي المرة الاول الى اسافر بها عبر المطار. لم أكن أعلم شيئا عن إجراءاته ولكن بفضل تدريبات موجهنا وحرصه على إطلاعنا على كل التفاصيل اللازمة للسفر في اي مطار أصبحت قادرا بعد تجاوز أول مطار على تنظيم أمور المجموعة الخاصة بأوقات السفر وختم التذاكر واستلام الحقائب.
مكنتني هذه الرحلة أيضا من التعرف على تاريخ أجدادنا المسلمين الذين سكنوا أرض الأندلس وشيدوا فيها حضارة عريقة يشهد لهم بها القاصي والداني. العدو والصديق. حيث لمست جمال هذه الحضارة في كل المدن التي زرناها فكانت البداية في قصر الحمراء في غرناطة حيث كانت زيارة القصر بمثابة تحقيق لحلم كنا ندرس عنه منذ الطفولة. لقد لمست في الحمراء فن العمارة الإسلامي الذي ينعكس في كل زاوية من زوايا القصر وفي كل نقش على الجدران. واستكمال القصة كان عند زيارتنا لقرطبة عند استنشاق هوائها العليل على القنطرة ورؤية نهر الوادي الكبير. وفي قرطبة عاد بنا الزمن إلى المنصور- محمد بن أبي عامر- عند زيارتنا لجامع قرطبة الكبير الذي يسمى اليوم مسجد الكاتيدرائية حيث كان هذا الجامع بمثابة الجامعة التي تخرج منها المنصور والتي درس بها الكثير من الناس من مشارق الارض ومغاربها. ومن أجمل ما قدمته هذه الرحلة أنها جعلتني ألتقي بأناس جدد كانوا بمثابة العائلة في هذه الرحلة الجميلة. عشنا معهم لحظات جميلة. من أكثر اللحظات المؤلمة كانت زيارة متحف محاكم التفتيش. فأثناء زيارتنا لها كنا نتخيل الألم الذي كان يعانيه المسلمون في ذلك الوقت. من الامور المميزة في الرحلة كانت زيارة ملاعب كرة القدم فقد كانت الجولة في ملعب ريال مدريد امراً جميلا فرأينا كؤوس النادي ورأينا العشب الأخضر وأخذنا الكثير من الصور هناك. كانت هذه الرحلة بمثابة درس من دروس الحياة لا يقدر بالمال. تعلمت فيه الثقة بالنفس والاعتماد على الذات وأن بداخل كل إنسان قدرات كبيرة يجب عليه استغلالها وتنميتها.
أحمد بكر
“كان الإسلام راسخاً في الغرب كما هو راسخ في الشرق”
قبل زيارتي للاندلس وعند تجهيز متاعي للمغادرة لم يخطر ببالي أن من الممكن أن أصل لذلك التحمس واللهفة للوصول إلى ذاك المكان. فعند الوصول ورؤية المكان بتفاصيله ستدرك إن الإسلام قد كان راسخاً في الغرب كما هو راسخ في الشرق وأن الحضارة حين تشيد لا تهدم وأن المكان مهما تبدلت عليه الأجيال سيروي لك قصة من صنعوه .
الراحة والسكون الذي يختصر المكان ستستشعره عند دخولك حي البياثين. البساطةُ تكتسيه وجو الفرح يعتريه. أينما سقط نظرك ترى الورد بجميع ألوانه ظاهراً فيه. على الشبابيك والشرفات والأرصفة وحتى الجدران. أما عن الحمراء والمزج بين الحاضر والماضي والمستقبل. كل الخليط فيه يوحي لك شيئاً يتوغل في أعماقك ويستوطن داخلك. يطرح عليك الكثير من الأسئلة. أولها: كيف يصل الإنسان إلى قمة الإبداع في التصميم والبناء. مسجد قرطبة ورغم تحويله إلى كنيسة وتغيره إلى مكان عبادة لديانة لا تحمل عقيدة من أوجده. أستبدلت تلاوة القرآن فيه بترانيم الإنجيل واستبدل رفع الأذان بأصوات الأجراس.
نهر الوادي الكبير، الكازار بقرطبة، الباص السياحي، الكامب نو، ملعب سنتياغو، الطعام الاندلسي، الفلامنجو، متحف التاريخ الكاتالوني، بحر برشلونة، شارع الرملة، سوق الخضار ببرشلونة، سمك الاندلس. كل هذه الأشياء والأماكن تضع في قلبك بصمة وتخلق لك شعوراً يكاد يكون الأول والوحيد الذي يتسلل إليك مع كل لحظة تسجلها في ذاك المكان، ليجعلك تحبه بكل تفاصيله وكل شيء فيه، تعود إلى وطنك ويبقى شيء في داخلك هناك لا يحكى ولا يوصف.
فراس الكخن
“انني امشي في أحد أزقة الشام”
ربما قبل بداية الرحلة كنت متشجعا لزيارة برشلونة فقط وغير مكترث بزيارة المناطق الاخرى أي المناطق الاندلسية. وعند وصولي الى برشلونة كان قد جذبني جمالها وشوارعها وأبنيتها. استيقظت مبكرا وذهبت الى الميناء. وجدت الناس مستيقظين يمارسون الرياضة في ساعات الصباح الباكرة كأن الصورة تقول لي بأن هذا شعب منتج صباحاً حتى قبل حلول الليل يعمل وفي الليل يسترخي. استمتعت جداً بزيارة برشلونة خاصة ملعب الكامب نو ملعب فريق برشلونة، وعند مغادرتي مدينة برشلونة حزنت جداً اذ كادت الدمعة أن تسقط ولم اظن انني سأجد مدينة غيرها لتدخل قلبي لكن العكس قد حصل عند وصولي الى مدينة غرناطة. سيطر علي شعور جميل تجاهها وكان يقول لي هذه مدينة بناها اجدادك فكيف تفضل مدينة الاثارة على مدينة الحضارة. في صباح اليوم التالي وعند ذهابي الى قصر الحمراء اذهلتني روعة الحدائق والقصور المتعددة التي بنيت في عصر الازدهار.
في كل ثانية كان حب غرناطة يجتاح قلبي وتعزز ذلك بوصولي الى قصر الحمراء الجميل والمزخرف بالخط العربي. وفي اليوم التالي ذهبت الى البلدة القديمة في غرناطة اذ لم اجد سوى السياح امامي يلتقطون الصور امام البيوت القديمة. أدهشني جمال البيوت كأنها من الداخل بيوت شامية وكأنها تقول لي نعم اجدادك قد ساهموا بتأسيسي. ذهبت ابحث وأسأل السكان الاسبان أين المسجد؟ لكن لم يجيبوا. كأنهم يعرفون ولا يريدون أن يقولوا. وصلت الى مسجد متواضع ولكن الاهم هل يمكن ان نصلي به؟
في صباح اليوم الاخر حزنت جدا لمغادرتي مدينة اجدادي وعلمت ان حب هذه المدينة سكن قلبي. عند وصولي الى مدينة قرطبة والتجول في ازقتها خطر ببالي انني امشي في أحد أزقة الشام من تشابه البيوت الجميلة والزينة المعلقة. حزنت جداً في ذلك اليوم عندما زرت الكنسية التي كانت مسجداً. رأيت أن عصر ازدهار المسلمين الطويل في الاندلس والفتوحات قد ذهب سدى بسبب تخاذل بعض الملوك. وحين دخلت الكنسية رأيت محراب الصلاة والزخارف الاسلامية كأنها تقول أنظروا الى بقايا المسجد بعد تحويله الى كنيسة.
تفاجأت في مدينة اشبيلية بقصر المعتمد وبجمال المدينة وأناقتها كأنها تقول لي أنا ايضا اندلسية خذلني المسلمون رغم جمالي وحضارتي.
أسيل هلسة
“في أزقة حي البياثين تجد نفسك في عالم آخر من السحر والجمال”
سفرنا إلى اسبانيا كان تجربةً جديدةً تعلمت منها الكثير .فخلال تلك الفترة الوجيزة نَمَت فينا العديد من القدرات والمهارات وعظمت حصيلتنا الثقافية. زرنا العديد من الأماكن التاريخية وتعرفنا على مزيج من الثقافات وعشنا تجارب جديدة وقابلنا أناساً كان لهم الوقع العميق في نفوسنا .
من بين كل ما زرناه كان للمدن الأندلسية وتحديداً غرناطة الحيز الأكبر في قلوبنا. فحين تتجول في أزقة حي البياثين ماراً بالدكاكين المزدحمة بالتحف والبضائع والمصابيح الملونة والمحال التي تغريك برائحة الطعام والموسيقى المتراقصة في الأزقة تجد نفسك في عالم آخر من السحر والجمال. وإذا أكملت الطريق صعوداً إلى أعلى الحي ترى في الجهة المقابلة مشهداً خلاباً لقصر الحمراء. هذا الصرح العظيم الذي يجمع جمال العمارة والحضارة الإسلامية مزيناً بالنقوش والزخارف ومحاطاً بالحدائق الغناء. كل زاوية فيه تحكي حكاية.
جوان عارف
“يحزنك وضع المساجد في الاندلس”
أن تقرأ أو تسمع فهذا أمر عادي، ولكن أن تشاهد وتعيش الحدث بتفاصيله فهذا أمر مختلف. فكيف وأنت تشاهد ما تغنى به الشعراء في شعرهم وموشحاتهم. انها الاندلس. تعتبر رحلة الاندلس رحلة ثقافية وسياحية وترفيهية فهي تمزج بين العلم والفائدة من جهة وبين المغامرة والمتعة من جهة اخرى.
كانت بداياتنا في مدينة برشلونة في شارع الرملة. عند التجول فيه ترى الاكشاك التي تبيع الزهور والهدايا التذكارية والتي تفتح في الصباح الباكر قبل موعد ازدحامها بالمارة وبين الحين والآخر ترى العروض المختلفة من الالعاب البهلوانية والفرق الموسيقية من مختلف الجنسيات. أما حسبة الخضار فهي من أفضل الاماكن لأكل وجبة سمك شهية. ترى فيها المحال المختلفة التي تحتوي على الفواكه الآسيوية والحلويات المحلية واللحوم المجففة والعصائر الطازجة والمثلجة. وفي احدى نهاياته فانك تصل الى البحر فترى الميناء والقوارب والجسر وهناك قمنا بزيارة الأكواريوم (متحف الاحياء البحرية).
وبما انك في برشلونة يتوجب عليك زيارة حديقة غاودي. ستشعر عند دخولها بالسكينة والراحة وحولك الاشجار الطويلة والخضار الذي يلفك من كل اتجاه. تندمج معها وكأنك من ساكنيها. وعند تجوالك تلاحظ تلك الطرقات المرصوفة بالحجارة وقنوات تصريف المياه على جانبي الطريق وتلاحظ مدى ابداع مخطط هذه الحديقة من خلال الاشكال العضوية التي تظن انها قد نحتت وشكلت من خلالها جسم هذه الحديقة. وبين الحين والآخر تجد الفرق الموسيقية والتي تندمج انغامها مع سحر المكان وروعته وتعطيه رونقه الخاص.
اما قصر الحمراء فهو ايقونة الجمال في غرناطة وتحفة معمارية فريدة عند مشاهدتها من الخارج ترى فيها الجمود من خلال ابراجها ولونها الداكن وهيئتها والتي كانت عبارة عن حصن تم تشييده على قمة الهضبة ولكنه من الداخل على النقيض تماما. ترى فيه الالوان والزخارف. النقوش والمقرنصات. القباب والأروقة. مما يدل على عبقرية المصمم. ترى ذلك من خلال النوافير وجريان المياه في كل جزء منه. أجملها يكمن في نافورة الاسود الاثنا عشر والتي تتمركز في وسط الباحة وحولها الاروقة ذات الاعمدة والأقواس المزخرفة. والتي استطاعت ان تحتفظ بسرها الاندلسي الى يومنا هذا. وما لا يقل جمالا جنة العريف التي كان لنا الحظ الاوفر في التخرج فيها حيث أقمنا فيها مراسم التخرج وإنشاد نشيد الجامعة.
بعد كل هذه المشاهد الرائعة فانه مما يحزنك وضع المساجد فيها. زرنا مسجد غرناطة الجديد كأول مسجد بنى حديثا وتقام فيه الصلاة مع وجود بعض الضوابط التي تشدد على الاذان وارتفاع المئذنة وحجم المسجد الصغير نسبيا.
ويتبع ذلك في قرطبة عند زيارتك مسجد الكاتدرائية (مسجد قرطبة سابقا) ترى في عظمة بنائه ومساحته الكبيرة ما كان له من شأن عظيم أيام الحكم الاسلامي للأندلس. تتمنى لو تسمع الاذان ولو لمرة واحدة يخرج من مئذنة ذلك المسجد.
عند زيارة قرطبة فان أجمل الاماكن التي يجب الذهاب اليها هو نهر الوادي الكبير والذي يزداد جمالا في الليل مع تلك الانارة على جانبي الجسر القديم والذي ترى في نهايته القلعة الحرة والتي تحتوي على متحف يظهر الاكتشافات العلمية والزراعية والمعمارية في فترة ازدهار الاندلس.
وعلى النقيض تراه في متحف محاكم التفتيش. ترى قمة البشاعة وتشعر بشيء من الرهبة والخوف مع الحزن على ما آلت اليه البلاد في نهاية فترة الحكم الاندلسي. وعندما كان الخيار الطرد او الموت او التنصر. كلها تعني في النهاية الموت. ولكن التعذيب ما قبل الموت هو الافظع. في داخلة الادوات التي تم استخدامها في التعذيب وصور توضيحية لآلية عمل كل منها.
ومن الموت نعود للحياة من جديد عند دخول قصر المعتمد بن عباد – الكازار في اشبيلية حيث يضاهي جماله جمال قصر الحمراء بتفاصيله الدقيقة وألوانه الجذابة. ترى في كل غرفة او جناح زخارف مختلفة عن السابق والذي يذكرك بقصص قد قرأت عنها عن المعتمد وزوجته اعتماد وما آل اليه حالهم في النهاية منفيين خارج البلاد.
وأما عندما نتحدث عن التصميم العصري فانك لا تنسى برج المشروم الضخم فهو شيء تجريدي للمشروم ولكن بحجم كبير جداً. تدخل فيه وتتجول بداخلة وعند الصعود الى قمته فانك ترى منارة مسجد اشبيلية من جهة وعند النظر الى الجهة المقابلة ترى اسقف المباني والتي يغلب عليها اللون القرميدي. كان يوماً لا ينسى تجولنا فيه في شوارع اشبيلية وساحاتها بواسطة دراجات السيجواي. كانت تجربة فريدة. وفي نهاية يوم اشبيلية كان لنا وقت للتأمل على نهر الوادي الكبير والاستمتاع برؤية السفن التي تعبر النهر والمطاعم التي تناثرت على الضفة المقابلة.
ماسة سرغلي
“خفق بها قلبي لدى سماع جرس الكنيسة يدقّ وقت صلاة الجمعة في مسجد الكاثيدرائية”
كيف أصف تلك الأيام وتلك البلاد! العمارة، الفن، التاريخ، الأصل !قصر الحمراء وما حمله من جمالية، كأنه تحفة فنية رسمت خلال تاريخٍ طويل. سنينٌ نقشت آثارها على جدران ذلك القصر ونواحيه وأرجاءه وما كان تخرجنا به إلا دليلا على شدة انتمائنا له والعلاقة الوطيدة بين قلوبنا وذلك التاريخ والروحانية المتأصلة في قلوبنا. الوجع الذي توطد في شراييني عند رؤيتي لتلك المواقع. أخص بالذكر محاكم التفتيش. يا لكمية الحزن التي اعترت جسدي عند مشاهدتي لكل آلة من الآلات تلك. كل ما ذكرته يهون عن مشاعري أمام مسجد الكاتيدرائية الحالي. أتحدث عن كمية الأسى! عن الخفقة التي خفق بها قلبي لدى سماعي لجرس الكنيسة يدقّ وقت ظهيرة الجمعة!
أتحدث عن الحنين. الحب والانتماء الذي شعرت به وأنا أنظر إلى نهر الوادي الكبير. أيقدر هذا النهر أن يبعث في قلوبنا كل هذه المشاعر والعواطف !لم يسبق لي أن تمنيت أن أعيش في مكان خارج وطني حتى جاءت تلك اللحظة التي ودعت فيها الأندلس. كم تمنيت لو أن تلك الأيام لم تنتهِ. أطمح لأن أعود إليها يوماً ما وسأعود يوماً ما.
مها مقبول
“كم آلمني فراق غرناطة”
ذهلت لحظة هبوط الطائرة في مطار برشلونة، مبانيها الرائعة وشوارعها وأرصفتها وأعمال المعماري غاودي تأخذك بفن العمارة الى عالم آخر. تسأل نفسك ماهية عقل هذا الانسان وكيف له أن يصمم مبانٍ بهذه الطريقة غير العادية. وشارع الرملة المليء بالبهلوانيين والممثلين الموجودين فيه سعيا لكسب رزقهم بتمثيلهم لشخصية تاريخية مشهورة. ثم يكتمل ذهولي بهدوء وروعة البحر، تتنفس رائحته وتسمع صوته وتسرح بخيالك مع تلاطم امواجه بمجرد النظر اليه وتنسى كل شيء، باختصار كل شيء في برشلونة يشعرك بعظم هذه الحضارة وبمدى تقدم البشرية.
غرناطة وما ادراك ما غرناطة. آه كم آلمني فراقها! كل شيء فيها سكن قلبي، من اول شارع مررت به شعرت بأن لي جذوراً بهذه الارض وبأن دمي قد مر من هنا! كيف لا وفيها قصر الحمراء. تأملت جميع أركانه. تخيلت اسياده. مجدهم في كل شبر فيه حكاية لحضارة اسلامية لا زالت محفورة فيه. لا توجد كلمة تستطيع وصف جماله وسحره. وقبل خروجنا منه طبعنا فيه ذكرى لا تنسى بحفلة تخرج بسيطة انشدنا فيها نشيد الجامعة ويا له من شعور. تخرجك من الجامعة لا يضاهي ابدا تخرجك بقصر الحمراء بين احضان الطبيعة الخلابة. أكملنا جولتنا في اليوم الذي يليه بحي البياثين ذلك الحي الذي يشعرك بالطابع العربي في كل ركن فيه. يا لجماله وروعته. الزهور المعلقة على الشرفات والجدران البيضاء. لا أروع من لحظة وقوفك في حي البياثين وأمامك قصر الحمراء وفي اذنيك موسيقى لنغمات اسبانية. اما عن شعوري في متحف محاكم التفتيش التي تتحدث عن اساليب التعذيب الوحشية لغير الكاثوليكيين سواء كانوا مسلمين او يهوداً او حتى مسيحيين. عندما سمعت عن قسوة تلك المشاهد والصور لم اتخيل أبدا أنها قد تصل الى تلك الدرجة من الوحشية كيف يمكن لإنسان أن يعذب إنسانا آخر بمثل هذه الطريقة ثم ينام مرتاح البال.
لأنك في غرناطة لا بد لك من بعض الفلامنجو، بدأت حفلتنا بموسيقى هادئة وازدادت حماسا بدخول تلك الفتاة الاسبانية الى المسرح. سألت نفسي كيف يمكن لسيدة طقطقة اصبعيها ووقع قدميها على الارض أن تسكت جميع الحضور وتركز اعينهم عليها فقط ولا احد سواها. كيف تحقق التناغم بين ايقاع قدميها مع نغمات الموسيقى. تشعر بأن كل نغمة ورقصة تحمل حكاية لا يفهمها إلا من لامست قلبه تلك الموسيقى وسرح في خياله مع تلك الرقصات.
الجنة والنعيم قرطبة. المبتدى والمنتهى قرطبة .إن يوم الجمعة من أقدس الايام لدى المسلمين شاءت الاقدار ان يزداد قداسة بالنسبة لنا بزيارتنا لجامع قرطبة ذلك الجامع العربي الاسلامي الذي يحافظ على هويته بأقواسه الاسلامية وبقبته وساحته التي تشبه ساحة المسجد الأقصى. لا شيء يطفئ نار الحسرة بداخلك لعدم قدرتك على الصلاة او حتى الدعاء فيه لأنه أصبح كاتيدرائية.
القلعة الحرة على القنطرة تذكرك بعراقة المسلمين ومجدهم وبأشخاص لمعت اسماؤهم في صفحات التاريخ. اما بالنسبة لقنطرة نهر الوادي الكبير فهي حكاية أخرى. لو يدري هذا النهر ماذا فعل بي! في آخر ليلة هناك نظرت اليه للمرة الاخيرة وحدثته. اعاد لي الكثير من الذكريات والحنين والشوق لأيام قد مضت ثم كتبت رسالتي فيه وودعته على أمل ان التقي به مرة ثانية.
عندما تذكر اشبيلية فانك تذكر قصر المعتمد بن عباد. يا لجماله وسحره. ويا لشعورك بالحزن على ضياع ما كان ملكا لأجدادك في يوم من الايام. ولا ننسى الخيرالدا “مئذنة اشبيلية” بارتفاعها الشاهق وعراقتها وكيف كانت بسمعتها تضاهي سمعة نهر الوادي الكبير في ذلك الوقت.
مدريد محطتنا الاخيرة وبداية الوداع، أجمل ما فيها زيارتنا لملعب سانتياغو بالرغم من اني لست من هواة كرة القدم إلا أن زيارة كل من ملعب الكامب نو في برشلونة وملعب سانتياغو بمدريد كانتا تجربتان رائعتان. شعرت بالتحمس الشديد لوجودي هناك والتقاط الصور التذكارية امام الكؤوس وكل تلك الجوائز.
كان افضل قرار اتخذته بحياتي هو قرار مشاركتي برحلة الاندلس الثقافية الثانية. اثنا عشر يوما قد مروا. شعرت بكل ثانية منهم. تعلقت بأشخاص اصبحوا أكثر من أصدقاء. حفرنا مع بعضنا ذكريات لا تنسى في كل مكان زرناه. ملأنا اصوات ضحكاتنا فيه، ودعنا الاندلس على امل ان نلتقي مرة اخرى وان تجمعنا بزقاقها كأول مرة زرناها. لن انسى أبدا قول أستاذنا: ‘نحن لم نسكن تلك المدن ولكن تلك المدن هي التي سكنتنا‘.
عايشة صبيح
“إن تجربتي الجامعية لن تكون مكتملة دون تجربة السفر الى الاندلس”
كحديثة التخرج كنت أرى ان تجربتي الجامعية لن تكون مكتملة دون تجربة السفر خارج إطار العائلة وخلال هذه المرحلة العمرية. تحقق هذا في فترة قريبة من التخرج وأحمد الله أنها كانت بالأندلس لتكون البداية. ولا أتخيل نفسي أزور بلداً آخر قبلها. فكانت التجربة الأكثر تأثيراً علي في جوانب عدة. أما البداية فكانت في برشلونة غير الأندلسية إلا أنها لم تخل من أثر العرب والمسلمين. كيف لا وأكبر الشوارع السياحية فيها يسمى بشارع الرملة المأخوذ من العربية. هذا الشارع الذي يختلف صباحه عن مسائه وعن ليله. ترى فيه من الجنسيات كلها وتسمع اللغات جميعا. بدأت جولتنا بسوق الخضار والأسماك في برشلونة حيث الفواكه بأنواعها واللحوم والأسماك والحلويات الكتالونية والعصائر. في برشلونة سأتحدث عن محطتين، الأكوريوم؛ ليس لتميزها عن غيرها في المدن الأخرى ولكن ما لفت انتباهي أن معظم الزوار كانوا أطفالاً يصحبهم ذووهم لرؤية المخلوقات المائية ويا لدهشة الأطفال. لم نكن أقل منهم اندهاشاً فسبحان الذي خلق فأبدع ولا حُرمنا نعمة الاندهاش. لم تزر برشلونة إن لم تزر ملعب الكامب نو الرائع لتشهد العناية الكبيرة بفريقهم وأعظم ما فيه المتحف الذي يخلد الانتصارات واللحظات الحاسمة في تاريخ فريقهم.
وبتجربة الطيران الداخلي من برشلونة الصخب الي غرناطة السكينة. لم يخف على أحد منا السكينة والطمأنينة التي شعرنا بها منذ لحظة نزولنا فيها. كل شيء محبب ومميز في غرناطة حتى مكان إقامتنا فيها. كنا فيها على موعد مع قصر الحمراء ولا أظن أن لدي القدرة لأوفيه حقه بالوصف. هذا القصر العظيم الذي يشتمل على أفنية وأبهاء وأبراج وحدائق رائعة والمميز بنقش ’ولا غالب إلا الله’. ختمنا يومنا بالسمر وشرب الشاي المغربي في مقهى صغير بحي البياثين. وبدأنا يومنا التالي في حي البياثين أيضاً، فخُيل لنا بأننا سافرنا إلى بلاد المغرب العربي. فلا تمر من محل تجاري يبيع الهدايا التذكارية إلا وتسمع أحدهم يقول ‘السلام عليكم’ وآخر يبدأ يومه بالقرآن الكريم، وكأن غرناطة – آخر البلاد سقوطاً – تأبى إلا أن تكون عربية. أكملنا جولتنا بالباص السياحي في غرناطة الجميلة ثم كان لنا موعد آخر مع قصر الحمراء لكن هذه المرة من الجهة المقابلة ومن أعلى حي البياثين حيث شاهدنا هيبة وعظمة القصر المحاط بالحدائق والراسخ فوق قمة الهضبة المقابلة لا ينازعه شيء آخر في لوحة فنية غاية في الجمال.
أما قرطبة فلها في القلب ما لها. بدأ تعرفنا عليها من أزقتها الرائعة المليئة بآيات الجمال من زخارف وقواوير الورد المنسقة بطريقة تسر الناظرين لنصل إلى القنطرة التي تصل ضفتي نهر الوادي الكبير وحظينا بمشاهدة الغروب على النهر الذي أزاح تعب الأجساد وأراح الأنظار. وصوت خرير مياهه أطرب آذاننا كأجمل موسيقى. بدأنا يومنا التالي بزيارة كاتيدرائية المسجد. كنت قد قررت أن أعتاد على التعرف على شعوري لحظة بلحظة. لأتخلص من اختلاط المشاعر علي وحتى لا تفوتني المواقف والمشاعر المرتبطة بها. وتزامن هذا القرار مع رحلة الأندلس. فما كان أن اختلطت علي المشاعر كما حدث بالأندلس. هل هو فخر بمجد وحضارة العرب والمسلمين بالأندلس أم حزن وأسى على ضياعها وما حل بالعرب والمسلمين من هوان وذل! هل هو انبهار بما رأت العين من جمال الأندلس عمارةً وحدائقَ، أم حيرة وتساؤل أين نحن من هذا كله! هل هو فرح وسرور بالمكان والزمان والأشخاص أم غربة ووحشة السفر الأول! وغيرها من المشاعر المختلطة. كلها تأججت أكثر ما يكون في زيارتنا لكاتدرائية المسجد؛ مسجد قرطبة في الزمن الجميل، زمن ما كانت العربية لغة العلوم وكان هذا المسجد إضافة لكونه جامعاً للعبادة جامعة يقصدها الطلبة من كل صوب لينهلوا من علوم أهل الأندلس وآدابها، فكنا فيه غرباء تحيط بنا مراقبة رجال الأمن؛ فلا يخفى علينا ولا على غيرنا من الزوار نظراتهم التي تلاحقنا في كل مكان.
أما أشبيلية التي لم نعطها حقها من الزيارة ولم نستوف حقنا منها خلال ١٢ ساعة، فهي أيضاً غاية في الجمال والروعة إلا أن الأكثر تميزاً فيها هو قصر المعتمد بن عبّاد، ومن قرأ قصة المعتمد وزوجته اعتماد لا بد أن يكون في شوق كبير لزيارة قصره العظيم. يحتار الزائر من أين يبدأ جولته بالقصر ثم ما أن يبدأ فيُذهل بما يرى ويظن أن ما رآه أعظم ما في القصر حتى يتضح له خطأ ظنه لينبهر بما هو أروع وأجمل مما سبق. ثم كنا على موعد آخر مع نهر الوادي الكبير لكن هذه المرة من إشبيلية، فكان راحة وملاذاً بعد نهار طويل وحافل.
أما آخر أوقاتنا في إسبانيا فكانت في العاصمة مدريد، حيث تجولنا بواسطة الباص السياحي لنتعرف على أهم معالمها فتوقفنا عند ملعب السانتياغو المذهل. فلا بد أن ترضي مشجعي كلا الفريقين، فكان لا يقل عن الكامب نو روعة وعناية. نسأل الله الذي منّ علينا بهذه الزيارة أن لا يجعلها آخر عهدنا في تلك البلاد التي عرفناها وأنكرتنا.
للاطلاع على الخبر الصحفي الخاص برحلة الاندلس يرجى الضغط هنا