تحديات تواجه البيئة الفلسطينية
آية شاهين
لا بد عند تنقلك بين أراضي فلسطين أن تستمتع روحك بتلك المناظر الطبيعية التي تحيط بك من كل مكان. بداية بمساحاتها الخضراء الشاسعة كما هو الحال في سهل مرج بن عامر، أو بجبالها الشاهقة المكتظة بأشجار السدر والبلوط والزيتون كتلك المنتشرة في قرى رام الله الغربية، أو بالأغوار القابعة بجوار نهر الأردن وعلى بعد بضعة كيلومترات من البحر الميت بجوار أريحا، أو كتلك الجبال الصخرية الشاهقة كما هو الحال في منطقة الخليل. مع الأسف كل تلك الموارد الطبيعية تتعرض يوميا للعديد من التهديدات البيئية والتي تعني حرمان الأجيال القادمة من الاستفادة منها ان لم يتم التصدي لتلك التحديات.
أول وأكبر تهديد بيئي هو شح المياه. يوجد في فلسطين ثلاثة أحواض مائية كبيرة ولكن بسبب الظروف السياسية الحالية لا نستطيع استخراج المياه إلا من حوض واحد وهو الحوض الشرقي، وبالطبع هو ليس أفضلهم لأن مياهه أكثر ملوحة من الحوض الغربي. ُتحفر العديد من الآبار الارتوازية في الحوض الشرقي ولكن مع الأسف معظمها أصبحت جافة. أيضا مياهنا الجوفية تتلوث يوميا بكميات كبيرة من المياه العادمة والتي تصل إليها من خلال الحفر الامتصاصية التي يقوم بحفرها العديد من الناس. ولكن اذا كان التخلص منها إلى جوف الأرض يشكل تهديداً بيئياً فما هو الحل الأنسب للتخلص منها؟ التخلص من المياه العادمة يجب أن يتم من خلال ايصالها مع شبكة المياه العادمة للبلدية ومن ثم تقوم البلدية بتنقيتها من خلال محطة تنقية للمياه كتلك التي في منطقة دير شرف. ولكن هنا تكمن مشكلة أخرى لآن المياه التي تتم تنقيتها تتلوث من جديد في مواقع أخرى. ثم تصل إلى الخط الأخضر كمياه عادمة تجب تنقيتها من جديد ولذلك يتم دفع مبالغ مالية مقابل تنقيتها.
من المؤسف هنا أن المياه العادمة للمستوطنات قد تم شبكها مع شبكة المياه العادمة الخاصة بنا تحت قوة الاحتلال، قضية شح المياه لا تقف هنا فقط بل تمتد للمزارعين تحديداً وهم أكثر من تأثروا بشح المياه. فلم يعد باستطاعتهم زرع العديد من المحصولات الزراعية بسبب شح المياه، بل أن بعضهم اضطر إلى بيع بعض الأغنام ليشتري به ماءً لمزروعاته. وتمتد من هنا للأغوار لأنها أكثر المناطق خصوبة وأقلها كثافة سكانية فلسطينية. يمكن زراعة العديد من المحصولات الزراعية لأن مناخ الغور مناسب جدا للزراعة. ولكننا فقدنا معظم أراضي الغور.
وبسبب شح المياه فإن تجارة التمور تأثرت بها أيضا. ففي السوق العالمي يباع التمر الفلسطيني بسعر أغلى من التمر المزروع بالأراضي المحتلة المجاورة وذلك بسبب المياه فقط. التهديد البيئي الثاني وهو الذي تتعرض له المحاصيل الزراعية، الكثير من المحاصيل الزراعية تفقد العديد من العناصر المهمة فيها لأنها تروى بالمياه العادمة. وأن أكثر ما كان مؤسفاً هو رؤيتي لنهر المقطع – نهر من المياه العادمة- يعبر من خلال أراضي سهول مرج بن عامر وذلك يعني تأثر نسبة من المحاصيل الزراعية هناك بتلك المياه.
انحسار البحر الميت تهديد بيئي آخر سببه استزاف مياهه لاستخراج العديد من المعادن والأملاح المهمة منه من قبل كل الأطراف المطلة عليه. لقد رأينا ذلك من خلال زيارة منتجع الليدو والذي كانت مياه البحر الميت ملاصقة له إلا أنها الآن تبعد عنه عشرات الأمتار بسبب انحسار البحر ما يقارب متر سنويا. لقد تم اقتراح حل وهو مشروع قناة البحرين والذي سيتم من خلاله نقل مياه من البحر الأحمر للبحر الميت عبر مضخات وأنابيب ولكن لا يبدو أنه سينجح وذلك بسبب اختلاف ملوحة البحرين التي من الممكن أن تنتج أضراراً بيئية خطيرة.
أما التهديد البيئي الكبير الذي تواجهه مدن فلسطين وخاصة الخليل فهو الربوة الناتجة عن مناشير الحجر. تمثل المناشير ٥٪ من الدخل القومي وذلك يعني أنها ذات أهمية اقتصادية كبيرة. عند نشر تلك الحجارة أول ما ينتج هو الغبار الذي يسبب العديد من المشاكل الصحية للعاملين على نشر تلك الحجارة وأيضا للسكان المدنيين المتواجدين بالقرب من تلك المناشر. فقد يصابون بالربو أو التهاب القصبات الهوائية أو العديد من المشاكل الصحية الأخرى. ثانيا ينتج عن المناشير فقدان أراضٍ زراعية ضخمة وعمل شقوق وتكسرات في الأراضي. ثالثا الربوة التي تنتج عن اختلاط الغبار بالماء الذي يستخدم لتبريد المناشير أثناء عملها. فسرعان ما يتحول هذا السائل اللزج لمادة صلبة. اذا وصلت لأراضي زراعية فستتكون عليها طبقة بيضاء من تلك الربوة وذلك حتما يعني فقدانها. التخلص منها في المياه العادمة يعني ترسبها على المناهل وعلى الأنابيب وبالتالي ستسد الأنابيب والمناهل واستبدالهم أو تنظيفهم سيسبب خسارة اقتصادية فادحة. لا توجد طريقة مناسبة بعد للتخلص منها بالرغم من وجود العديد من الصناعات التي من الممكن أن تكون الربوة عنصراً أساسياً فيها. فيمكن استخدامها لصناعة قوالب أو للحصول على أراضي زراعية أكثر جودة من خلال احتفاظها بالمياه لفترة أطول. تعمل بلدية الخليل جاهدة لإيجاد حل لهذه المشكلة البيئية الضخمة.
كانت مدابغ الجلود أيضا تشكل تهديداً بيئياً بسبب مادة الكروم التي كانت تدخل إلى مجاري المياه العادمة من خلال مصارف مياه مدابغ الجلود. مادة الكروم سامة وبقاؤها في المياه العادمة خطير جدا. تم إيجاد حل لهذه المشكلة وذلك من خلال ترسيبها بمواد كيميائية خاصة ولكن ذلك يكلف أصحاب المصانع مبالغ مالية ضخمة.
لا بد من إيجاد حلول لتلك التهديدات البيئية لأن عدم وجود حل لها يعني حتما فقدان مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية إلى الأبد. مما يؤثر سلباً على بيئتنا فهو حتما سيؤثر سلباً على صحتنا فنحن من نستهلك ثمارها ومياهها.
المخيم التوعوي البيئي الذي ينظمه سنوياً برنامج زاجل للتبادل الشبابي في دائرة العلاقات العامة بالجامعة قد رفع وعيي بتلك المخاطر وزاد شغفي لإيجاد حلول جادة لأن وجود بيئة صحية وسليمة يعني صحة أفضل وحياة أفضل .